الجمعة، 28 يوليو 2017

إماطة اللثام عن مشبهات ديار الإسلام - (4) اتبعوا ... لا تتبعوا

يقول الله تعالى : ((  اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ ۗ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ  )) ... في اﻵية شقان : شق أمر (( اتَّبِعُوا )) و شق نهي (( لَا تَتَّبِعُوا ))
فهذان معولان كمعول إبراهيم ( عليه السلام ) نهدم بهما أصنام القومية و الوطنية و الديمقراطية كما هدم إبراهيم أصنام قومه و على الله التكلان ! 

فأما (( اتَّبِعُوا )) ففيها
يقول الله تعالى :(( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ )) 
و قال المُصطفَى ( صلى الله عليه و آله و سلم )


" المسلمون تتكافأ دمائهم ، يسعى بذمتهم أدناهم ، و يجير عليهم أقصاهم ، وهم يد على من سواهم ، يرد مشدهم على مضعفهم ، و مسرعهم على قاعدهم "


" ليس منا من دعا إلى عصبية وليس منا من قاتل على عصبية وليس منا من مات على عصبية "


"من قاتل تحت راية عمية يدعو عصبية ، أو ينصر عصبية فقتلته جاهلية "

و أما (( لَا تَتَّبِعُوا )) ففيها ميشيل عفلق النصراني ذو اﻷصل اليهودي و الذي يُقال أنه أعلن الإسلام لاحقًا و عصابته ممن ينتسبون للملل الباطنية كصلاح البيطار و زكي اﻷرسوزي و حافظ اﻷسد .
ميشيل عفلق و حزب البعث العربي الإشتراكي الذي أسسه بشعار " أُمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة " يرون أن الإسلام كان مجرد إفرازًا حضاريًا عربيًا و أن الرسالة التي جاء بها " النبي العربي " - كما كان عفلق و عصابته و أتباعهم يحبون أن يسموه - هي علامة على تطور العقلية العربية التي عبرت عن نفسها في بداية اﻷمر بالشعر الجاهلي ثُم أصبحت تُعبر عن نفسها بالقرآن ثُم دخلَت في مرحلة ثُبات طويلة حتى جاء عفلق لتكون فكرة حزب البعث هي أرقى تطور للعقل العربي ! 

( أنظر هُنا إلى مقتطفات من أدبيات ميشيل عفلق)


و بالطبع فإن تلك الفلسفة العنصرية العصبية تتعالى على غير العرب كما كانت حركة تركيا الفتاة في نفس الوقت تتعالى على غير اﻷتراك و تنادي بالقومية التركية الطورانية ، و يا محاسن الصُدُف !! فقد كان رءؤس حركة تركيا الفتاة من يهود الدونمة و العلويين اﻷتراك !!! و في نفس الوقت كانت الشيوعية الماركسية تفترس اﻷكراد !
و لك أيُها المُسلِم المُوحد الخاضِع لحُكم الله و رسولِه أن تَعلَم أن قول الله تعالى (( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا )) نزل في اﻷنصار من اﻷوس و الخزرج عندما وسوس لهم اليهودي (شاس ين قيس) و ذكرهم بأيام القتال بين اﻷوس و الخزرج في الجاهلية فتعصب ذلك ﻷوسه و تعصب ذلك لخزرجه و تنادوا للقتال نصرة ﻷوس و خزرج و لما علم رسول الله بأمرهم هرول إليهم يصيح فيهم " الله الله !!! أفحكم الجاهلية و أنا بين أظهركم ؟ "

الثلاثاء، 25 يوليو 2017

إماطة اللثام عن مشبهات ديار الإسلام - (3) الإغواء

تحدى إبليس الخالق و تبجح قائلًا كما روي لنا رب العزة : (( فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ Ѻ ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ Ѻ ))
و من صراط الله المستقيم الإقرار له بــ : الخلق و اﻷمر و الحُكم و العبودية
(( أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ))
(( إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ))
((  وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ))
((  وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ))
((  وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ))
((  وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ))

و المؤمن الموحد لله وجب عليه أن تتشكل عقيدته بالإقرار لله تعالى بما مضى ( و تلك طبقة ) ، ثُم وجب عليه أن تتشكل بنيته الذهنية و النفسية تبعًا لعقيدته و ما تقتضيها ( و تلك طبقة ثانية ) ، ثُم عليه أن يجتهد أن تكون مناسكه و معاملاته و حركته و سلوكه و ميزانه للأمور مبنية على أساس الطبقتين السابقتين .

و قد جاء في الحديث :
عن أم المؤمنين عائشة قالت :
 " فَإِنَّ خُلُقَ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَانَ القُرآنَ " 
و قال رسول الله
 " قل آمنت بالله ثُم استقم " و " عرفت فالزم "
و في الحديث من رواية جابر بن عبد الله :
 كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جُلُوسًا إِذْ خَطَّ خَطًّا ، فَقَالَ : " هَذَا سَبِيلُ اللَّهِ " ، وَخَطَّ خَطَّيْنِ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ ، فَقَالَ : " هَذِهِ سُبُلُ الشَّيَاطِينِ " ، ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ فِي الْخَطِّ الأَوْسَطِ وَتَلا الآيَةَ : (( وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ))

ثُم يأتي إبليس و يقعد للناس صراط الله المستقيم و ليس لإبليس هدف يضمن له أن يُحشر الناس معه إلى جهنم إلا أن يكفروا بالله و أحد مظاهر الكُفر ألا يُقَر لله بالخلق و اﻷمر و الحُكم و العبودية أو لا يُقر لله تعالي بإحداها . فإذا كانت الوثنية التي عهدناها في اﻷولين أصنامًا في المعابد تُعبد من دون الله فإن الوثنية الحديثة التي اخترقت اﻵخرين أصنامًا تُبنى داخل العقل و النفس على غير ما أراد الله لعباده ، فيكون حال المرء هو عدم الإقرار لله باﻷمر أو الحُكم فما أشبهه بحال مشركي قريش أقروا لله بالوجود و الخلق و لم يقروا له لا اﻷمر و لا الحُكم و لا العبادة و جعلوا من دونه ملائكة و آلهة يتعبدونها و يسألونها 
(( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ۚ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ ۚ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ ))
فعلى سبيل المثال : تنتشر في بعض البيئات العربية البسيطة ثقافة حِرمان الإناث من الميراث رغم أن الله عز و جل جعل للإناث نصيبًا ، فلربما يكون المورث مصليًا حاجًا معتمرًا إلا أنه في أمر الميراث لم يقره لله  .
مثال آخر : التنكر لحدود الله في الزواج و الطلاق ( إنكار اﻷمر و الحُكم لله ) ثُم وضع تشريعات بشرية لتنظيم الزواج و الطلاق
 (( أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهْوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ))
مثال ثالث : القبائل العربية التي أنكرت الزكاة و امتنعت عنها بعد انتقال رسول الله إلى الرفيق اﻷعلى دخلت في جملة المرتدين الذين أنكروا دين الإسلام بالكُلية و ذلك بامتنعاهم عن شريعة واحدة من شرائع الإسلام .

ما سبق كانت توطئة للولوج إلى معابد الجاهلية المُعاصرة و تحطيم أصنامها خاصةً لو كانت هذه المعابد و للأسف بين ديار المُسلمين و للأسف يسقط المسلمون بين براثن كهنة تلك المعابد .


الأحد، 23 يوليو 2017

المداخلة الفجار و تمكينهم لسطوة الكفار

المداخلة و الجامية و الرسلانية هم على خُطَى أحبار و كهنة بني إسرائيل الذين حرفوا دينهم إرضاءً للبابليين في فترة زمنية و للروم في فترة زمنية أخرى.
هذا أحدهم يفتي بعدم الخروج على ولي الأمر اليهودي في فلسطين.
هؤلاء لو كانوا في عصر أصحاب الأخدود لرأوا وجوب السمع و الطاعة للملك حتى لا يوردوا المهالك و لو كانوا في عصر فرعون و كانوا من قوم موسى لقالوا لموسى أوذينا من قبل أن تأتينا و من بعد ما أتيتنا و لو كانوا في عصر رسول الله لكانوا في صف ابن أبي سلول الذي كان حجته هو توفير الأمن و لقمة العيش للمسلمين و أهل المدينة. هؤلاء هم منافقون كل عصر و شيوخهم هم أحبار و كهنة بني إسرائيل الذي حرفوا الكتاب و جعلوه قراطيس. و آخؤهم سيكون عونًا و سلمًا لولي أمرهم القادم المسيخ الدجال .



و هذا يفتي بعدم الخروج على ولي الأمر الأمريكي في العراق

و هذا يرى أن السمع و الطاعة واجبة لبابا النصارى لو تمكن و أصبح حاكما

السبت، 22 يوليو 2017

إماطة اللثام عن مشبهات ديار الإسلام - (2) ديار الإسلام الأربعة

جاء في ( فَتح الباري بشرح صحيح البخاري ) للــ ( الحافِظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني ) في شرح الحديث اﻷول عن رسول الله (صلى الله عليه و آله و سَلم) : " إنما اﻷعمال بالنيات و إنما لكل امرئ ما نوى ، فمن كانت هجرته إلى دُنيا يُصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه " :

"
الهجرة إلى الشئ الانتقال إليه من غيره . و في الشَرع ترك ما نهى الله عنه ، و قد وقعت في الإسلام على وجهين : 
اﻷول : الانتقال من دار الخوف (*) إلى دار اﻷمن (**) كما في هِجرتي الحبشة و ابتداء الهجرة من مكة إلى المدينة .
الثاني : الهِجرة من 
دار الكُفر (***) إلى دار الإيمان (*#) و ذلك بعد أن استقر النبي بالمدينة و هاجر إليه مَن أمكنه ذلك من المسلمين .

                                                                                                    "

انتهى اﻷخذ عن (الحافظ بن حجر العسقلاني)


--------------------------------------------
(*) 
دار الخوف : هي التي لا يأمن فيها المُسلم على دينه و نفسه و عرضه مثل مكة بعد البعثة و قبل الفتح ، و مثل بلد قوم لوط ، و مثل بلد شُعيب ، و مثل مصر عندما كان يستضعف فرعون بني إسرائيل و من آمن مع موسى .
(**) 
دار اﻷمن : هي التي يأمن فيها المُسلم على دينه و نفسه و عرضه حتى و إن كانت هذه اﻷرض لا تحكمها شريعة الرحمن ( دار كُفر ) مثل الحبشة عند الهجرتين ، و مثل المدينة قبل الهجرة ، و مثل مصر عندما كان يحكمها الملك و عاش فيها يوسف و يعقوب و بنوه آمنين يدعون إلى الإسلام و يعيشون الإسلام دون أن يفزعهم أحد .
(***) 
دار الكُفر : هي التي لا يتحاكم فيها إلى كتاب الله و سُنة نبيه و يتم التحاكم فيها إلى غير ما أنزل الله .
(*#) 
دار الإيمان : هي التي يتحاكم فيها أهلها إلى كتاب الله و سُنة رسوله .

و من المُهم جدًا ألا تختلط لدينا تلك المفاهيم اﻷربعة و نُدرِك أن مفهوم (دار الإيمان) يقابله مفهوم (دار الكُفر) و ليس (دار الخوف) ، كذلك فمفهوم (دار الأمن) يقابله مفهوم (دار الخوف) و ليس (دار الكُفر) . فلو فرضنا مكانًا على وجه اﻷرض أعطيناه الرمز (س) فإن تصنيفه يتحدد بسؤالين على الترتيب التالي :
1 - هل (س) دار إيمان أم دار كفر ؟
2 - هل (س) دار أمن أم دار خوف ؟
و بالتأكيد قد يقفز إلى ذهنك السؤال التلقائي : " هل يمكن أن تكون دار الإيمان دار خوف ؟ " و إني ﻷعزو غرابة السؤال إلى نُدرة وجود تلك الحالة على مَدَار التاريخ حتى إنني لا أجد مثالًا صريحًا لها إلا زمن الفتنة بين (علي) و (معاوية) - رضي الله عنهما - أو مِحنة خلق القرآن في عهد الخليفة العباسي (المأمون) .

الأحد، 9 يوليو 2017

إماطة اللثام عن مشبهات ديار الإسلام - (1) عُضوا عليها بالنواجذ

جاء في الحديث السابع من البخاري عن المقابلة بين هرقل الروم و رَكْب قريس التجاري برئاسة (أبي سفيان بن حرب) و كان هرقل يسأل أبا سفيان عن النبي العربي الذي بعثه الله فيهم أن هرقل سأل أبا سفيان " ماذا يأمركم ؟ " فقال أبو سفيان : " يقول : اعبدوا الله وحده و لا تشركوا به شيئًا و اتركوا ما يقول آباؤكم ، و يأمرنا بالصلاة و الصدق و العفاف و الصلة " .
و سبحان من جعل أبا سفيان بن حرب و هو لا يزال على الكفر و المحاربة لدين الله يفقه غاية الإسلام و رسالته و يعبر عنه بإيجازٍ و بلاغة بينما في أيامنا هذه فإن الكثير ممن تشير خانة الديانة في أوراقهم الثبوتية أنهم مسلمون لا يستطيعون أن يتفوهوا بحرفين من كلام أبي سفيان و هو على الكُفر إذا ما سألهم سائل عن الإسلام !
***
لما سأل نجاشي الحبشة سيدنا (جعفر بن أبي طالب) - رضي الله عنه - : " ما هذا الدين الذي فارقتم فيه قومكم و لم تدخلوا في ديني أو دين أحد من تلك الملل ؟ "
فقال جعفر :
 " أيها الملك، كنا قوماً أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف، فكنا على ذلك، حتى بعث الله إلينا رسولاً منا، نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنات، وأمرنا أن نعبد الله وحده، لا نشرك به شيئاً، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام، فصدقناه وآمنَّا به، واتبعناه على ما جاء به من الله، فعبدنا الله وحده، فلم نشركْ به شيئاً، وحرمنا ما حرم علينا، وأحللنا ما أحل لنا، فعدا علينا قومنا، فعذبونا، وفتنونا عن ديننا، ليردونا إلى عبادة الأوثان من عبادة الله تعالى، وأن نستحل ما كنا نستحل من الخبائث "
***
سأل رستم قائد الفرس سيدنا ربعي بن عامر - رضي الله عنه - : " ما جاء بكم إلى بلادنا ؟ " فقال :
 " الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن ضِيق الدنيا إلى سعَتَها، ومن جَوْر الأديان إلى عدل الإِسلام، فأرسلنا بدينه إلى خلقه لندعوهم إليه "
***
و هكذا أمر الله من آمن به بأن يأمروا بالمعروف و ينهون عن المنكر و يصلحوا في اﻷرض ، و كان على رأس ما كُلفت به أمة محمد أن يكونوا شهداء على الناس كما كان الرسول عليهم شهيدًا فمهمة أمة محمد (صلى الله عليه و آله و سلم) في اﻷرض هي نفس مهمة محمد (صلى الله عليه و آله و سلم) ... يقول الله تعالى :
 (( وَ كَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَ يَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ))
و يقول تعالى : 
(( الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ))
و يقول تعالى : 
(( وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ))
و لكن كيف ﻷهل الباطل و الطواغيت و أصحاب اﻷهواء المنحرفة أن يقبلوا بمنظومة حياتية عمادها الاحتكام لتشريع إلهي و تدور في فلك حفظ اﻷعراض و اﻷلباب و اﻷموال و النفس و رأس مالها العفة و صلة اﻷرحام و القيام على أمر المسكين و اليتيم و الضعيف . بل إن أساس الإسلام في توحيد الله قولًا و عبادة و عملًا و احتكامًا لا تروق ﻷهل الطاغوت و تتعارض مع مصالحهم و تهدد كياناتهم و وجودهم ...
فكيف للراهب و الحبر الذي يتكسب من صكوك الغفران و توزيع الجنة و النار و جلسات الاعتراف أن يقبل بوجود دين هدم الوساطة البشرية بين العبد و ربه و باتت مجرد ركعتان مخلصتان في جوف الليل غفارتان للذنوب ؟
كيف لمبتدع أن يوافق على فكرة الدعاء المباشر البسيط من العبد إلى ربه بفك الكرب و تلبية الحاجات و تكسد تجارة اﻷضرحة و إضاءة الشموع ؟
كيف لحاخام يهودي أن يرضى بوجود القرآن الكريم فيه تفصيل كل شيء و يفضح اكتتامه للعلم و البينات و الهُدَى ؟
كيف لكاهن هندوسي أن يسمح بوجود دين يقمع عقيدة التقسيم الطبقي و يجعل في الطائفة العليا اﻷولى عائلات اختلطت دماؤها بدماء الرب و الطبقة الدنيا الخامسة أنجاس خدم هم و ذرياتهم يتوارثون الوضاعة ؟
كيف ﻷصحاب النفوذ أن يرضوا بأن يكون الله و رسوله حكمًا و يُقتطع منهم حُرية سن القوانين و التشريعات التي تحفظ لهم تسيدهم و تتوسع منافعهم و مكاسبهم ؟
كيف للبعض أن يقبل بمن يدعو للعفة و صلة الرحم و حفظ العقل فتبور تجارته القائمة على تجارة الخمر و الرقص و القمار و الربا و أفلام الزنا ؟ إن منطق التاجر أن تتوسع الشرائح المقبلة على بضاعته لا أن تنقص أو تختفي !
كيف للمحتكر أن يطيق شيخًا أو عالمًا يعيد على اﻷسماع قول رسول الله : " المحتكر ملعون " ؟
المشكلة الأكبر أمام هؤلاء الطواغيت أنهم لا يستطيعون أن يفاوضوا الله أو يستقطبوه فأصبح الحل الوحيد هو اقتلاع هذا الإسلام و محاربته و تصفية أتباعه إلا أن يأتوا بإسلامٍ غير الذي نزل على محمد و بذلك يتبعوا مِلة من سبقهم فينالوا الرضا بعد أن يصبح الإسلام المصطنع الجديد لا يتصادم مع مصالحهم و إفسادهم و علوهم .
و لهذا كان دومًا الصراع و المواجهة بين النبوة و بين الكُفر منذ عهد نوح (عليه السلام) ...
و مهما حاولت النبوة البُعد عن الصراع و المواجهة كان الطاغوت يسعى إليه و يفرضه ...
ذهب موسى (عليه السلام) إلى فرعون يدعوه لله رب العالمين و يطلب منه أن يرسل معه بني إسرائيل كي يخرجوا من أرض مصر و يتركها لفرعون و قومه إن أبى الإيمان بالله فأبى فرعون إلا أن يتمادى في استضعافه لبني إسرائيل و إهلاكه لمن آمن من المصريين ! حتى لما مضى موسى بقومه ناحية المشرق طارده فرعون بعسكره حتى أهلكه الله ليكون عبرة لمن يخلفه من الفراعين و ليكون من هلك معه من العبيد و اﻷتباع عبرة لمن يخلفوهم فما اعتبروا و ما اتعظوا !!!
نبي الله شعيب (عليه السلام) يقول لقومه : (( وَإِنْ كَانَ طَائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ )) فكان جواب قومه : (( لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا ))
رسول الله (صلى الله عليه و سلم) مكث دهرًا بين ظهراني قومه يقول لهم :
 "خلوا بيني و بين الناس" فلما ما كان منهم إلا عنادًا و شقاقًا و إرصادًا قالها لهم " قد جئتكم بالذبح !! "
و لذلك فرض الله (عز و جل) الجهاد على أمته لكسر شوكة الطواغيت و تحقيق مراد الله في أرضه الذي عبر عنه أبو سفيان بن حرب و جعفر بن أبي طالب و ربعي بن عامر . يقول الله تعالى :
 (( وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدَّيْنُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنْ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمُلَونَ بَصِيرٌ )) و يقول الله تعالى : (( وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ))
بهذا الفهم و ذلك المنهج تحركت الجماعة المسلمة منذ أن كانت مجموعة نفر مستضعفين في مكة ثُم أصبحوا مجتمعًا متماسكًا في المدينة و أضحوا خلافةً تُسقط عروش الطواغيت حول الجزيرة العربية . كان التمكين لدين الله و فتح اﻷرض للدعوة هو محور حركة الجماعة المسلمة و شعارها حتى لو نقص الإيمان فيهم أو غلبت على قياداتهم اﻷهواء و بذلك يكون المسلم الواحد طالبًا للعلم و مجاهدًا و داعية و صانعًا أو تاجرًا . لم يكن هناك داعي لظهور ما نسميه اليوم بـ " الجماعات أو الحركات الإسلامية " و لم يكن المسمى الاصطلاحي " الإسلاميون " موجود ﻷنه باختصار هناك جماعة واحدة يحكمها إمام واحد أجندتهم هي : اﻷمر بالمعروف و النهي عن المنكر و التمكين للإسلام و نشره و الزود عن المسلمين و جهاد الكافرين الصائلين .
ذلك هو السبيل الوحيد للخروج من ظلمات الجاهلية و قيود الوثنية إلى رحاب التوحيد و سعة الإسلام و قد قالها رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) :
 " عليكم بسُنتي و سُنة الخلفاء الراشدين المهديين ، عضوا عليها بالنواجذ "