الأحد، 9 يوليو 2017

إماطة اللثام عن مشبهات ديار الإسلام - (1) عُضوا عليها بالنواجذ

جاء في الحديث السابع من البخاري عن المقابلة بين هرقل الروم و رَكْب قريس التجاري برئاسة (أبي سفيان بن حرب) و كان هرقل يسأل أبا سفيان عن النبي العربي الذي بعثه الله فيهم أن هرقل سأل أبا سفيان " ماذا يأمركم ؟ " فقال أبو سفيان : " يقول : اعبدوا الله وحده و لا تشركوا به شيئًا و اتركوا ما يقول آباؤكم ، و يأمرنا بالصلاة و الصدق و العفاف و الصلة " .
و سبحان من جعل أبا سفيان بن حرب و هو لا يزال على الكفر و المحاربة لدين الله يفقه غاية الإسلام و رسالته و يعبر عنه بإيجازٍ و بلاغة بينما في أيامنا هذه فإن الكثير ممن تشير خانة الديانة في أوراقهم الثبوتية أنهم مسلمون لا يستطيعون أن يتفوهوا بحرفين من كلام أبي سفيان و هو على الكُفر إذا ما سألهم سائل عن الإسلام !
***
لما سأل نجاشي الحبشة سيدنا (جعفر بن أبي طالب) - رضي الله عنه - : " ما هذا الدين الذي فارقتم فيه قومكم و لم تدخلوا في ديني أو دين أحد من تلك الملل ؟ "
فقال جعفر :
 " أيها الملك، كنا قوماً أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف، فكنا على ذلك، حتى بعث الله إلينا رسولاً منا، نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنات، وأمرنا أن نعبد الله وحده، لا نشرك به شيئاً، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام، فصدقناه وآمنَّا به، واتبعناه على ما جاء به من الله، فعبدنا الله وحده، فلم نشركْ به شيئاً، وحرمنا ما حرم علينا، وأحللنا ما أحل لنا، فعدا علينا قومنا، فعذبونا، وفتنونا عن ديننا، ليردونا إلى عبادة الأوثان من عبادة الله تعالى، وأن نستحل ما كنا نستحل من الخبائث "
***
سأل رستم قائد الفرس سيدنا ربعي بن عامر - رضي الله عنه - : " ما جاء بكم إلى بلادنا ؟ " فقال :
 " الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن ضِيق الدنيا إلى سعَتَها، ومن جَوْر الأديان إلى عدل الإِسلام، فأرسلنا بدينه إلى خلقه لندعوهم إليه "
***
و هكذا أمر الله من آمن به بأن يأمروا بالمعروف و ينهون عن المنكر و يصلحوا في اﻷرض ، و كان على رأس ما كُلفت به أمة محمد أن يكونوا شهداء على الناس كما كان الرسول عليهم شهيدًا فمهمة أمة محمد (صلى الله عليه و آله و سلم) في اﻷرض هي نفس مهمة محمد (صلى الله عليه و آله و سلم) ... يقول الله تعالى :
 (( وَ كَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَ يَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ))
و يقول تعالى : 
(( الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ))
و يقول تعالى : 
(( وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ))
و لكن كيف ﻷهل الباطل و الطواغيت و أصحاب اﻷهواء المنحرفة أن يقبلوا بمنظومة حياتية عمادها الاحتكام لتشريع إلهي و تدور في فلك حفظ اﻷعراض و اﻷلباب و اﻷموال و النفس و رأس مالها العفة و صلة اﻷرحام و القيام على أمر المسكين و اليتيم و الضعيف . بل إن أساس الإسلام في توحيد الله قولًا و عبادة و عملًا و احتكامًا لا تروق ﻷهل الطاغوت و تتعارض مع مصالحهم و تهدد كياناتهم و وجودهم ...
فكيف للراهب و الحبر الذي يتكسب من صكوك الغفران و توزيع الجنة و النار و جلسات الاعتراف أن يقبل بوجود دين هدم الوساطة البشرية بين العبد و ربه و باتت مجرد ركعتان مخلصتان في جوف الليل غفارتان للذنوب ؟
كيف لمبتدع أن يوافق على فكرة الدعاء المباشر البسيط من العبد إلى ربه بفك الكرب و تلبية الحاجات و تكسد تجارة اﻷضرحة و إضاءة الشموع ؟
كيف لحاخام يهودي أن يرضى بوجود القرآن الكريم فيه تفصيل كل شيء و يفضح اكتتامه للعلم و البينات و الهُدَى ؟
كيف لكاهن هندوسي أن يسمح بوجود دين يقمع عقيدة التقسيم الطبقي و يجعل في الطائفة العليا اﻷولى عائلات اختلطت دماؤها بدماء الرب و الطبقة الدنيا الخامسة أنجاس خدم هم و ذرياتهم يتوارثون الوضاعة ؟
كيف ﻷصحاب النفوذ أن يرضوا بأن يكون الله و رسوله حكمًا و يُقتطع منهم حُرية سن القوانين و التشريعات التي تحفظ لهم تسيدهم و تتوسع منافعهم و مكاسبهم ؟
كيف للبعض أن يقبل بمن يدعو للعفة و صلة الرحم و حفظ العقل فتبور تجارته القائمة على تجارة الخمر و الرقص و القمار و الربا و أفلام الزنا ؟ إن منطق التاجر أن تتوسع الشرائح المقبلة على بضاعته لا أن تنقص أو تختفي !
كيف للمحتكر أن يطيق شيخًا أو عالمًا يعيد على اﻷسماع قول رسول الله : " المحتكر ملعون " ؟
المشكلة الأكبر أمام هؤلاء الطواغيت أنهم لا يستطيعون أن يفاوضوا الله أو يستقطبوه فأصبح الحل الوحيد هو اقتلاع هذا الإسلام و محاربته و تصفية أتباعه إلا أن يأتوا بإسلامٍ غير الذي نزل على محمد و بذلك يتبعوا مِلة من سبقهم فينالوا الرضا بعد أن يصبح الإسلام المصطنع الجديد لا يتصادم مع مصالحهم و إفسادهم و علوهم .
و لهذا كان دومًا الصراع و المواجهة بين النبوة و بين الكُفر منذ عهد نوح (عليه السلام) ...
و مهما حاولت النبوة البُعد عن الصراع و المواجهة كان الطاغوت يسعى إليه و يفرضه ...
ذهب موسى (عليه السلام) إلى فرعون يدعوه لله رب العالمين و يطلب منه أن يرسل معه بني إسرائيل كي يخرجوا من أرض مصر و يتركها لفرعون و قومه إن أبى الإيمان بالله فأبى فرعون إلا أن يتمادى في استضعافه لبني إسرائيل و إهلاكه لمن آمن من المصريين ! حتى لما مضى موسى بقومه ناحية المشرق طارده فرعون بعسكره حتى أهلكه الله ليكون عبرة لمن يخلفه من الفراعين و ليكون من هلك معه من العبيد و اﻷتباع عبرة لمن يخلفوهم فما اعتبروا و ما اتعظوا !!!
نبي الله شعيب (عليه السلام) يقول لقومه : (( وَإِنْ كَانَ طَائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ )) فكان جواب قومه : (( لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا ))
رسول الله (صلى الله عليه و سلم) مكث دهرًا بين ظهراني قومه يقول لهم :
 "خلوا بيني و بين الناس" فلما ما كان منهم إلا عنادًا و شقاقًا و إرصادًا قالها لهم " قد جئتكم بالذبح !! "
و لذلك فرض الله (عز و جل) الجهاد على أمته لكسر شوكة الطواغيت و تحقيق مراد الله في أرضه الذي عبر عنه أبو سفيان بن حرب و جعفر بن أبي طالب و ربعي بن عامر . يقول الله تعالى :
 (( وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدَّيْنُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنْ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمُلَونَ بَصِيرٌ )) و يقول الله تعالى : (( وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ))
بهذا الفهم و ذلك المنهج تحركت الجماعة المسلمة منذ أن كانت مجموعة نفر مستضعفين في مكة ثُم أصبحوا مجتمعًا متماسكًا في المدينة و أضحوا خلافةً تُسقط عروش الطواغيت حول الجزيرة العربية . كان التمكين لدين الله و فتح اﻷرض للدعوة هو محور حركة الجماعة المسلمة و شعارها حتى لو نقص الإيمان فيهم أو غلبت على قياداتهم اﻷهواء و بذلك يكون المسلم الواحد طالبًا للعلم و مجاهدًا و داعية و صانعًا أو تاجرًا . لم يكن هناك داعي لظهور ما نسميه اليوم بـ " الجماعات أو الحركات الإسلامية " و لم يكن المسمى الاصطلاحي " الإسلاميون " موجود ﻷنه باختصار هناك جماعة واحدة يحكمها إمام واحد أجندتهم هي : اﻷمر بالمعروف و النهي عن المنكر و التمكين للإسلام و نشره و الزود عن المسلمين و جهاد الكافرين الصائلين .
ذلك هو السبيل الوحيد للخروج من ظلمات الجاهلية و قيود الوثنية إلى رحاب التوحيد و سعة الإسلام و قد قالها رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) :
 " عليكم بسُنتي و سُنة الخلفاء الراشدين المهديين ، عضوا عليها بالنواجذ "   

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق